"الموت لأميركا" هو الشعار الذي اتخذته حركة "أنصار الله" الحوثية دفاعًا عن الاسلام، واستخدمته في حملاتها وسياساتها التعبوية، وفي النتيجة لم يُقتل جندي أميركي واحد بمعارك مع الحوثيين، بل المئات من الشعب اليمني.
عصفت حركة "انصار الله" في شمال اليمن تأثرا بالحركات الشيعية في العالم كـ"حزب الله" وايران، وتجلى ذلك بوضوح في أدبياتهم الثقافية والسياسية والمتأثرة بخبرات "حزب الله" العسكرية في الميدان، ولعلّ صواريخ الكاتيوشا التي استخدمت في الحرب اليمنية عام 2010 تؤكد ذلك. ولم يتوقف الدعم الايراني على السلاح والمال، إذ يبدو لافتا حجم تنسيق المواقف والدعم الاعلامي والسياسي، فجعلت ايران من الحوثيين انتهاجا لنموذج "حزب الله" في اليمن.
اتّسمت الحرب بين "أنصار الله" والحكومة اليمنية في وجود تكتيكات متنوعة بين الكرّ والفرّ فتطورت مساحتها وشدّتها، وسهّل غياب وجود مرجعية يمنية مؤثرة وبارزة مع تراجع "الاخوان المسلمين"، وتشرذم التيارات السلفية، في تمدد الحركة التي تعد حديثة النشأة مقارنة بباقي الحركات الإسلامية، وتواجدت على كامل الخريطة اليمنية من صعدة شمالاً وحتى حضرموت وعدن جنوباً بنسب متفاوتة، وتستفيد من السيطرة عسكرياً على كامل المحافظات الشمالية (صعدة، عمران، حجة، المحويت، الحديدة، ذمار، الجوف، أجزاء من محافظة البيضاء، وأجزاء من محافظة الضالع، محافظة صنعاء، والعاصمة صنعاء ، محافظة إب، وأجزاء من محافظة تعز)، فيما تنتشر وبشكل محدود في المحافظات الجنوبية كـ(حضرموت، لحج، الضالع، عدن، أبين). هذا التوسع جعل الحوثيين يسيطرون على أغلب الخريطة الجغرافية في اليمن، ومن الممكن ان يكون تمددهم اليوم باتجاه المحافظات الجنوبية لكنه لن يكون بشكل عسكري كما حدث مع أغلب المحافظات الشمالية، نظراً للحساسية الجنوبية نحو القوى الشمالية، ومن المحتمل أن تكون عبر لجان شعبية تتشكل من عناصر جنوبية بحتة..
وما يلفت الإنتباه المعدات العسكرية التي يستخدمها الحوثيون في معاركهم، كماً ونوعاً، فهم يملكون سلاحا يضاهي سلاح الدولة باستثناء سلاح الجو، والاهم انهم يجيدون استخدامه، فاليمنيون هم بطبيعتهم قبائل والقتال من سماتهم، لكن تحقيق الاهداف لا يقتصر على حمل السلاح فقط بل يحتاج الى عقول تدير المعارك، ولذلك نقل "حزب الله" تجربته وخبرته "العسكرية والامنية" للحوثيين نظرا لاهمية اليمن الاستراتيجية في المعادلات الاقليمية، فكانت هي الميدان في الحرب السعودية-الايرانية الباردة.
ويكشف أمين عام مجلس "شباب الثورة" اليمنية عبد الغني الماوري، في هذا السياق، أنّ حركة "أنصار الله" الحوثية، تلقّت دعما لا يستهان به من بعض الدول الخليجية، ليس حبًا بالحوثيين انما لاضعاف سياسة "الاخوان المسلمين" باليمن، مشيرًا إلى حصول تنسيق كبير مع بعض السفارات الخليجية قبل اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء.
ويوضح الماوري، في حديث لــ"النشرة"، ان تسليح الحوثيين يتم بالدرجة الاولى عبر النهب والاستيلاء على معسكرات تابعة للجيش اليمني بكامل عتادها بالتسهيل من الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تحول الى حليف لهم بعد ان كشفت اوراق الخليج، فوجد أنه الخاسر الاكبر في حربه مع الحوثيين إن خاضها.
ويتابع: "الحوثيون هم موطىء قدم الايرانيين في اليمن، فالسلاح يأتي من ايران عبر البحر الاحمر الى الموانئ لا سيما التي سيطرعليها الحوثيون مؤخرا (ميناء ميدي والحديدة)، والهدف اليوم هو السيطرة على جميع المنافذ التي تسهل وصول السلاح الايراني وخبراء الميدان".
ويرى الماوري أنّ إيران تخوض حروبها الاقليمية بذكاء وتأن، واليوم عبر الحوثيين هي تجعل من اليمن عراقًا ثانيًا، واصبحت تملك نفوذا قويا جدا، خاصة أنّ خيار الشعب اليمني اليوم هو إما مع الحوثيين الذين لديهم قدرة على التعامل مع الشعب اليمني، او القاعدة التي تقود البلاد الى الهاوية. ويردف: "هناك علاقة موحدة في الاهداف بين "حزب الله" والحوثيين، فخطاب زعيم حركة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، هو نموذج عن خطاب الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، عدا عن التبعية في الاعلام والاناشيد الثورية والنظرة الى العالم، بالاضافة الى الانضباط العقائدي، ويسجل التشابه الحاصل بين مشهد إصبع السيد نصرالله الذي يرفعه في خطاباته وبين مشهد إصبع الحوثي خلال إطلالاته".
وعن المعلومات التي تشير إلى وجود مدرّبين من "حزب الله" في اليمن، يقول الخبير في علم الاجتماع السياسي عبدالملك عيسى أنّه "إذا كان هناك أحد بحاجة للتدريب بين الحوثيين و"حزب الله"، فعلى الحزب أن يذهب ليتدرّب عند الحوثيين لا العكس"، ويوضح أنّ المواطن اليمني سواء كان في "أنصار الله" أو غيرها من الجماعات يمارس التدريب على السلاح والقتال من عمر 10 أعوام، وبالتالي فهو يجيد استخدام أغلب أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة منذ صغره، كما وأنّ أهل اليمن خبراء في اقتحام المواقع المحصنة وقد مارسوا عملية اقتحام المواقع العسكرية منذ الحرب الثانية في العام 2005 قبل حتى أن يحدث أي لقاء رسمي أو شعبي بين إيران أو "حزب الله" والحوثيين".
ويرى عيسى أنّ "محاولة الإيحاء بأن انتصارات "انصار الله" هي نتيجة خبرات لبنانية أو إيرانية ما هي الا ذريعة لتغطية العجز الرسمي وعجز الجماعات الواقفة ضدهم عن محاولة إيقافهم حيث أنهم أنتصروا في كل المعارك التي خاضوها ضد خصومهم القبليين والرسميين، فمن الصعوبة بمكان أن يتنقل أي شخص غير يمني في محيط قبلي متجانس ويتعارف أفراده فيما بينهم فما بالك أن يكون هؤلاء لبنانيين أو إيرانيين"، مؤكدا أنهم لن يستطيعوا العيش في مناطق جبلية مرتفعة حيث تنقص نسبة الأكسيجين لدرجة لا يستطيع التأقلم معه إلا أصحاب المناطق الجبلية المرتفعة.
وبحسب الأدبيات التي يعلنها الحوثيون، فمطالبهم لا تتجاوز "الشراكة في كل مؤسسات الدولة وخاصة أجهزة (الأمن القومي، والسياسي، والأمن العام، والداخلية) والجيش وكذلك أجهزة الرقابة والمحاسبة وكافة أجهزة الدولة نتيجة الإقصاء الممنهج الذي كان يمارسه ضدهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وبالتالي هم يريدون العودة إلى أجهزة الدولة كغيرهم من المكونات الوطنية والمجتمعية والحزبية".
ورغم أنهم أسقطوا صنعاء العاصمة عسكرياً في 21 أيلول الماضي إلا أنهم لم يشاركوا في حكومة الكفاءات ولا حتى بوزير واحد، معتبرا انه اذا "رفضت الدولة ادماجهم ضمن اجهزتها الرسمية فمن المؤكد أنهم سيكونون مثل نموذج "حزب الله" اللبناني وهذا ما أعلنه السيد عبدالملك الحوثي في آخر خطاب له يوم 15 كانون الاول بأنهم سيفرضون شراكة الأمر الواقع إذا لم تستجب الدولة لمطالبهم".
الى ذلك، تعتبر الهواجس التي تقلق الأطراف السياسية والمجتمعية في اليمن كثيرة، لا سيما الخوف من ان يمارس الحوثيون الرقابة الدينية على سلوك المجتمع وأن تقمع الحريات الفردية أو أن تفرض أمر واقع جديد في اليمن ولا تسمح بقيام انتخابات وانتقال سلمي للسلطة كما أن هناك مخاوف من ذهابهم عسكرياً نحو الجنوب، وهو أمر مرفوض من قبل الجنوبيين كما أن هناك مخاوف من نشوء صراع على أسس طائفية اذا استمر الشحن الإعلامي والانقسام السياسي ما بين حزب الإصلاح "الإخوان المسلمين" وبين جماعة "أنصار الله".
واقليميا، اصبح اليمن يشكل مبعث قلق لدول الخليج وخاصة السعودية بسبب التلاصق الجغرافي، والذي جعل ايران تطوق المملكة عبر عواصم اربعة بلدان هي بغداد، صنعاء، دمشق وبيروت.
يبدو ان الشعب اليمني أوقعته مكائد أهل السياسة بين نهم الحوثيين في الشمال وضجر المتشددين في باقي ارجاء اليمن. ويهدد التقدم الحوثي في انزلاق اليمن إلى نفس النوع من الصراع الطائفي الذي دمّر سوريا والعراق، فنتائج الحرب التي يخوضها السعوديون والإيرانيون بالوكالة، ان كان لها نتائج ايجابية فسوف يحصدها المنتصر، اما ان كانت سلبية فهي من نصيب اليمنيين.